الخميس، 5 مارس 2015

البديل


مستقبل العالم


ما فتئ العالم الصناعي يبحث عن مصادر طاقة بديلة للنفط. و منذ أن أدرك القائمون على صناعات المال والقرار في الغرب خطورة الاعتماد على (الذهب الأسود) في تسيير عجلة الاقتصاد، وهم يدفعون مراكز أبحاثهم دفعاً لإيجاد وقود بديل للمركبات الكربونية أو الأحفورية التي يمثلها خام النفط. ومبرر تلك الخطورة ليس كون النفط مادة ناضبة وحسب، وإنما لكون أعظم احتياطيات تلك المادة وأيسرها استخراجاً، كذلك، متركزاً في مناطق بعيدة عن أكبر مواطن استهلاكها.
وهكذا فإن أهمية النفط الاستراتيجية صارت هي التي توجب التفكير في إمكانية الاستغناء عنه على المدى البعيد، مع حتمية صيانة وترشيد استغلال موارده في الوقت الراهن، وقيام احتمال الاستيلاء عليها أن لزم الأمر طبعاً.
لكن التحول عن النفط لمورد طاقة ثانٍ ليس بالأمر الهين. ذلك أن حضارتنا بأكملها، بكل إلكترونياتها وآلاتها تعتمد على محركات ومصانع تعمل بالنفط في الأساس. والاعتماد على الوقود الحفري سيظل قائماً لأن التقنيات البديلة لم تزل عالية التكلفة، وغير صالحة لجميع التطبيقات. ومع كون أغلب التقنيات المعاصرة مشغلاً بالطاقة الكهربائية، إلا أن الكهرباء التي تستخدم اليوم على نطاق واسع لم تتضمن حتى الآن كل تطبيقات الوقود الحفري، وبالأخص الحيوي منها مثل إدارة السيارات والشاحنات. والاحتجاج بموارد مثل الرياح و الشمس و المياه الجارية و الطاقة النووية سوف لن يصمد أمام الفاعلية و السهولة التي يفرض النفط نفسه بهما على حياتنا اليومية. ناهيك عن موانع بيئية واقتصادية وسياسية تلغي تلك الموارد، واحداً إثر الآخر، من قائمة المصادر المحتملة للتعميم عالمياً. وبعيداً عن وقود محركات السيارات ونحوها، والذي يستأثر بنصيب الأسد من استهلاك النفط العالمي، فإن توليد الكهرباء – تحديداً- والارتقاء بمستوى استغلالها لتصبح مصدراً رئيسياً للطاقة بات هاجساً لمراكز البحث و تطوير الصناعة.
الهيدروجين.. خليفة الكربون
وللتخلص من ربقة الكربون والنفط، التفت البحاثة لعنصر آخر هو الهيدروجين.. أبسط العناصر تركيباً ومن أوفرها وجوداً. أذ تتكون ذرته من بروتون واحد وإلكترون واحد، ويمثل أكثر من 90% من مكونات الكون و30% من كتلة الشمس، وهو ثالث أكثر العناصر توافرًا على سطح الأرض، ولا يوجد الهيدروجين كعنصر منفردًا بل مرتبطاً بعنصر آخر، فهو يرتبط بالأكسجين مكونًا الماء، ويرتبط مع الكربون مكونًا مركبات كالميثان والنفط.
كل هذه الميزات شكلت إغراءاً لا يقاوم لاعتماد هذا العنصر كمصدر أساس للطاقة في مشروع تتبناه وزارة الطاقة الأميركية وكان من إحدى ثمراته استخدام الهيدروجين لشحن خلية وقود تسمى بالبطارية الهيدروجينية لتوليد الكهرباء بارتباط الهيدروجين بأكسجين الجو. ولا تنتج عن هذه البطارية أي ملوثات بيئية أو غازات سامة باستثناء الماء كناتج ثانوي.
وتعتبر خلايا الوقود عموماً صورة من صور تحويل الطاقة الكيميائية المختزنة في المركبات الهيدروكربونية إلى طاقة كهربائية مباشرة. وبالإضافة للهيدروجين، فإن الوقود المستخدم في هذه الخلايا قد يكون الغاز الطبيعي أو الميثانول مع الأكسجين أو الهواء الجوي. وتطبيقات الهيدروجين هي الأوسع في هذا الصدد، حيث يمكن الحصول عليه من التحليل الكهربي للماء.
تعتمد فكرة عمل خلية الوقود على وجود غشاء فاصل (membrane) من الحديد سطحه مغطى بمساعد حفزي (catalyst) من عنصر البلاتينوم. وعند دخول الهيدروجين للبطارية يعمل البلاتينوم على فصله إلى مكونيه الريسيين (البروتون والإلكترون) ويسمح الغشاء الفاصل بمرور البروتونات دون الإلكترونات التي لا تجد وسيلة للعبور إلا من خلال سلك حول الغشاء الفاصل؛ ليتولد فيض من الإلكترونات في السلك يمثل تياراً كهربياً مستمراً. وعليه، تعتبر خلايا الوقود هذه وسيلة لتخزين الطاقة، إ أنها تستخدم الكهرباء في التحليل وتولد الكهرباء كناتج تشغيل.
ولخلايا الوقود الهيدروجينية ميزات منها:
• انعدام التلوث: حيث إن الهيدروجين ينتج عن تفكيك الماء، وبالأكسدة يعود إلى الماء مرة أخرى، ولا توجد أي عوادم جانبية ضارة بصحة الإنسان أو البيئة.
• ارتفاع كفاءة التشغيل: لأنها تحول الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية بشكل مباشر مما لا يسبب أي فقد في الطاقة في أي صورة من الصور.
• هدوءها : ليس لخلية الوقود أي صوت أثناء عملها.
من جهة أخرى، تواجه بطارية الهيدروجين عائق التكلفة، فالجهاز ما زال غير اقتصادي الإنتاج قياساً على مردوده من الطاقة، مما يُبقي الهيدروجين مَصدراً ثانوياً –حاملاً- للطاقة، محتاجاً إلى مصدر طاقة آخر لينتجه هو في أولاً، مثله مثل الكهرباء.
ألا أن الحماسة لوقود الهيدروجين لم تفتر بعد. وهي تنال دعماً خاصاً من أقطاب صناعة السيارات حول العالم. فقد قامت شركة (جنرال موترز) منذ نحو العام بتطوير أول معالج  لتحويل وقود الجازولين (المعروف شعبياً بالبنزين) إلى طاقة للدفع بنظام خلايا الوقود. والمعالج الضخم الذي يحتل معظم المساحة في حوض سيارة النقل (الشيفروليه إس-10) يحول البنزين النظيف داخل السيارة إلى دفق من الهيدروجين يرسل إلى خزان الوقود لتصبح السيارة إس-10 أول سيارة في العالم تعمل بدفع خلية وقود هيدروجين. ويزعم المسؤولون في شركة (جنرال موترز) للبحوث والتطوير، إن هذه التكنولوجيا لها القدرة على الحصول على 40 بالمائة من كفاءة الطاقة الكلية والتي تعتبر أفضل بنسبة 50 بالمائة من محرك الاحتراق الداخلي التقليدي.
من ناحيتها، أعلنت شركة BMW عن تزويد إحدى سياراتها الفاخرة من الفئة السابعة بمحرك هيروجيني حقق نتائج مُرضية.
وفي ذات الصدد، افتححت دولة آيسلندا خلال شهر صفر الفائت أول محطة في العالم لإمداد السيارات بوقود الهيدروجين كخطوة كبيرة نحو إنشاء (مجتمع هيدروجيني). وقد نفذت المشروع شركة (رويال دتش شـل). وستستخدم المحطة التي تديرها الشركة في تزويد ثلاث حافلات من إنتاج شركة (دايملر كرايسلر) بالوقود في العاصمة (ريكيافيك) ضمن مشروع يساهم في تمويله الاتحاد الأوروبي.
وتتواصل الأبحاث حالياً على إيجاد تطبيقات جديدة لخلايا الوقود؛ حتى تصبح بديلاً لكل صور الطاقة الأخرى، وتكون بحق وقود المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن وكالة NASA قد استخدمت الهيدروجين في برنامجها الفضائي منذ سنوات. وخلايا الوقود الهيدروجينية هي التي تقوم بتشغيل النظام الكهربي للسفينة، وينتج عن هذا التفاعل الماء النقي الذي يستخدمه رواد الفضاء في الشرب. والهيدروجين يمكن أن يكون وقودًا مثالياً للطائرات مستقبلاً، فهو ينتج كمية من الطاقة هي أكبر مما ينتجه الوقود الكربوني، مما يعني احتياج الطائرات إلى كمية أقل من الوقود. كما أنه أخف من الوقود الحالي، مما يوفر أمكانية حمولة أعظم لطائرة الغد.
حرارة جوف الأرض
أحد التقنيات الواعدة المعنية بتوليد الكهرباء من دون الاعتماد على النفط، و بواسطة مورد متوفـر على نطاق عالمي بدون التسبب في أزمة طاقة دولية بين من يمتلك موارد و من لا يفعل، كما هو الحال اليوم، يتمثل في الاستعانة بمصدرٍ جوف أرضي كذلك، هو طاقة حرارة باطن الأرض (Geothermal Energy).
تتلخص تقنية استغلال الحرارة الأرضية في عمل حفر عميقة لجوف الأرض، تُضخ عبرها مياه البحر فتسخن لدرجات تتراوح بين 90 – 150 درجة مئوية. و هذا الماء المسخن سيتحول إلى بخار مندفع من الحفر بسرعات تكفي لتدوير مولدات كهربائية تنتج ما يقارب الـ 2200 ميغا-واط.
هذه التقنية مُطبقة في بلدان تمتد من أميركا غرباً وحتى إندونيسيا شرقاً. والطاقة الناتجة عنها تتفوق على النفط وغيره من المصادر في عدة نقاط مهمة منها:
 كونها طاقة نظيفة. إذ أن ما سيتخلف عن ثمة محطات توليد لن يزيد على بخار الماء و الرواسب الملحية التي قد يعاد تصنيعها أو تتم إعادتها لمصدرها في باطن الأرض.
 نسبة قابلية المورد للاستخدام على مدار السنة تصل إلى 95% مقابل 60%-70%  لموارد الفحم والمعاملات الذرية.
 مورد هذه الطاقة متجدد غير ناضب بإذن الله، مدده المُحتوى الهائل لحرارة جوف الأرض.
 الكهرباء المولدة عن طريق الحرارة الأرضية هي أرخص من تلك الناتجة عن محركات النفط.
 هي طاقة محلية الإنتاج.
وهذه النقطة الأخيرة تعد بالغة الأهمية لكثير من الدول الصناعية التي تدّعي المعاناة من التبعية لبلدان (الأوبك) فيما يختص بأسعار النفط و مدى توافره في الأسواق. إذ أنها ترى في الطاقة الحرارية الأرضية فكاكاً من ربقة الاتكال على واردات النفط الخارجية. وفوق ذلك، فهناك تصور بأن توقف الاعتماد العالمي على النفط سيؤذن بانهيار اقتصاديات الدول المعتمدة على تصديره في مواردها، ويسخر الكثيرون من أن دول النفط سوف لن تجد مستقبلاً مولدات تعمل بذلك الوقود البترولي لتستوردها وتضيء بها مدنها و تشغل مصانعها.  ولا شك في أن تنويع مصادر الدخل و عدم الاقتصار على مورد النفط هو توجه محتم و مأخوذ به. غير أنه فيما يتعلق بتوليد الكهرباء محلياً، فقد ذكر  الدكتور. زغلول بن راغب النجار*، الأستاذ السابق بقسم علوم الأرض بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أنه وفقاً لخرائط المسح العالمية، فإن أعظم مورد لحرارة جوف الأرض الناجمة عن الحمم و الصهارة الأرضية متمركز تحت إقليم الحجـاز، وتحديداً تحت حِـرار المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ووفقاً لما ذكره  الدكتور زغلول، فإن موضوع استغلال هذا المورد الواعد قد لاقى اهتماماً شديداً من المسؤولين بالمدينة النبوية على أعلى مستوى، على نحو يبشر بفتح مجال جديد للتدريب والتطبيق التقانيين، بهدف خدمة وعمارة هذه الأرض التي باركها الله وحباها بالخير على كل صوره.
من النفط إلى النباتات والذرّة
ثمة أفكار أكثر طموحاً تجري دراستها لذات غاية قهر سيطرة النفط على مصادر الطاقة. من ذلك فكرة النبات المنتج للوقود الحيوي، والتي تقوم على استبدال البترول بوقود من محاصيل معدلة وراثياً. وتتضمن هذه الفكرة تحدياً متمثلاً في ضرورة تحقيق زيادة هائلة في ناتج هذه المحاصيل الحيوية لتغطية متطلبات السوق، مع ضرورة التحكم بالضغط البيئي الذي ستفرضه زراعة هذا النبات. ويمكن للإيثانول والميثانول والديزل الحيوي وغيرها من الوقود المصنوع من المنتجات الزراعية أن تخفض من المخلفات السامة وتقلل الاعتماد على البترول الأجنبي. ومعظم الوقود الحيوي المنتج اليوم هو من الإيثانول المتدني الطاقة والمستخرج من السكر المخزن بالذرة. ولكن المحاصيل الحيوية ذات المحتوى المرتفع من الطاقة قد تولد أشكاليات جديدة. فقد تنتشر النباتات المعدلة وراثيا لتتكاثر وتنتج أعشاباً ضارة قوية. وقد تضع زراعة المحاصيل الحيوية ضغطاً على الموارد الطبيعية كالآبار الارتوازية لتنقلب معارك اليوم حول النفط لمعارك حول الماء.

وثمة دراسات أخرى متعلقة بالنوويات الكمية تسعى لاستغلال طاقة النواة الذرية دون اللجوء للانشطار الذري أو الانصهار النووي. وإذا تم التمكن من هذه العملية فسوف توفر مصدراً عظيماً للطاقة لا يترك وراءه أي مخلفات مشعة. وفي تجارب النوويات الكمية تم تعريض صحيفة من عنصر (الهافنيوم) وهو عنصر شديد الندرة للأشعة السينية. وقامت ذرات هذا العنصر بإطلاق نبضات طاقة قوّت الأشعة السينية بشكل هائل. ويتوقع سلاح الجو الأميركي استخدام الأشعة السينية هذه لتدمير الصواريخ المقبلة. وقد تستخدم النوويات الكمية أيضا في مجال رسم الدوائر الإلكترونية على الرقائق. ولعل استخداماً مدنياً آخر يظهر لها في القريب العاجل يتيح انتاج سيارات ذرية بمحركات ذات وقود نووي نظيف.. وهو حلم لو تحقق، فأن الحاجة لإعادة ملئ خزان الوقود ستنتهي معه.. لأن طاقة مفاعل السيارة الذري ستتدفق عندها لتحركها لمئات السنين.